إنه الرق المستحيل أن نراه في غير موريتانيا
نشجبه كل يوم، ونجعل من القضاء عليه كفاحنا اليومي: الرق موجود في موريتانيا بالرغم من إنكار ممارسيه والمتواطئين معهم. إن وضعنا كمُصِرّين على مكافحته، يتمخض عن شيطنتنا من قبل نظام الدولة وقاعدته المحافظة التي يستقي منها قوته في المجتمع. ويكتسي التحامل، غير المسبوق ضد الحركة الانعتاقية (إيرا)، عدة أشكال، وهكذا يتجدد من تلقاء نفسه، متبنيا، في الجوهر، سوء النية و الحنق والانجراف. مع أن رئيس الجمهورية، محمد الشيخ الغزواني، سار معنا على نهج الحوار والتهدئة بين النظام والمجتمع المدني المستقل والنشط. بيد أنه انعرج، فجأة، هو وحكمه، عندما التقت مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا) بالمقرر الأممي حول أشكال الرق العصري. خلال ذلك اللقاء، عرضت رابطتنا، بصدق، انطلاقا من عاداتها وتوجهاتها، الحالة الراهنة للتفاوتات بالمولد وأسسها الدينية-العنصرية. وتمحورت مقابلتنا معه، شهر مايو 2022، حول الرق، والتراتبية الفئوية، وأشكال التبعية الشبيهة بالرق، والافلات الشامل من العقوبة، وهي الأمور التي تستهدف، في المقام الأول، الأفارقة المنحدرين من أصول جنوب-صحراوية.
لقد بادر جناح الصقور في النظام، المتشبث بالفوقية والمتسم بالظلامية، إلى إقناع رئيس الجمهورية بقطع الحوار مع إيرا لأنها ترفع تحديات الدفاع عن حقوق الانسان في موريتانيا وترقيتها. وأدت القطيعة، من جانب واحد، إلى تراجع يتجسد، من الآن فصاعدا، في العودة إلى نقطة الانطلاق، مع ما تحمله من المضايقات والاتهامات والعنف البوليسي. ويتحمل وزير الداخلية، الممثل لِقِوَى الرجعية داخل النظام، مسؤولية التراجع الحاصل حاليا، والذي نورد هنا بعض تداعياته:
1-يتم قمع مظاهراتنا المرخصة، وغير المرخصة في الغالب، بأقصى ما يكون القمع،
2-يتم إقصاء رابطتنا (إيرا) من النشاطات الرسمية ما دامت تعالج كرامة الانسان بصرامتها المعتادة، رافضة وضع حدود لعتبة الفكر والعمل، كما يفرضها النظام تعسفا،
3-يتم تعقّب مناضلينا ومناصرينا، ومراقبتهم، والتجسس عليهم في موريتانيا وفي الخارج، بمن فيهم النائب بيرام الداه اعبيد.
تأكيد شرعية كفاحنا من قبل الهيئات الأممية
بالرغم مما يتخذه النظام الموريتاني ترفا له من عرقلتنا وسوء الطوية تجاهنا، أكد مجلس حقوق الانسان بالأمم المتحدة، في دورته الـ 54 المكرسة لترقية وحماية حقوق الانسان المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية، دونما لبس، أن الرق ما يزال قائما في المجتمعات الناطقة بالعربية (البيظان) والزنجية الموريتانية (السونينكي، الولوف، والفلاّن).
علاوة على ذلك، يفصّل التقرير بما نصه: “يتكون مجتمع البيظان من مجموعتين، هما البيظان، أي المجموعة المهيمنة ذات الأصل العربي-البربري، والحراطين، المنحدرين من الأرقاء الذين تعود أصولهم إلى تجمعات السود بموريتانيا، وهم يتقاسمون ثقافة مشتركة مع البيظان. ويخضع الحراطين للرق التقليدي منذ القدم، بالرغم من أن هذه الممارسة أضحت أقل اتساعا من ذي قبل. وحتى في ظل غياب علاقات ملكية جلية، يبقى العديد من الحراطين تابعين، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، لأشخاص كانوا قد أخضعوهم للرق لفترات طويلة، لأنهم لا يملكون حلولا اقتصادية أخرى قابلة للبقاء، وهم ضحايا للعديد من صنوف التمييز”.
وفي حديثه عن نفس الواقع داخل المجتمعات الزنجية الموريتانية، يشير التقرير الأممي إلى أن: “نظام التراتبية الفئوية يُبقي المنحدرين من الأرقاء في حالة تبعية اقتصادية واجتماعية وثقافية لأعضاء الفئات المهيمنة، كما نرى، مثلا، لدى السونينكي”.
ويوضح التقرير أيضا أننا “نلاحظ العديد من أشكال الرق العصري في موريتانيا، خاصة العمل القسري، والاستغلال من خلال العمل والرق المنزلي. وتشمل أشكال الرق هذه الموريتانيين مهما كانت أصولهم، وكذلك المهاجرين”.
إن مضمون النص الأممي يعزز كفاحنا لأنه يعترف، بوضوح، بوجود الرق في موريتانيا. غير أنه مما يؤسف له أن استنكارنا للانتهاكات جرّ لنا الكراهية والإهانة والسجن، وحتى المنفى بالنسبة لبعضنا.
لقد حان الوقت كي تتوقف السلطات الموريتانية عن إخفاء ما هو بديهي وواضح.
بهتان مكافحة الرق
تلعب كل الأنظمة التي تعاقبت على هرم الدولة نفس حيّل النفاق في وجه المنظمات الدولية. إننا أمام دولة تنكر وجود الرق الفئوي، وتقود، في نفس الوقت، كفاحا لا هوادة فيه ضد نشطاء العدالة، فيما تصوت على بنود تقمع الرق!.. وتدفع السلطات بسخريتها إلى درجة إنشاء غرف خاصة مكلفة بتطبيق القوانين المشار إليها…
وبهدف خِدَاع الهيئات الدولية المعنية بحقوق الانسان، تصنع موريتانيا ترسانة من هيئات التعْمِية: اللجنة الوطنية لحقوق الانسان، مفوضية حقوق الانسان، الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، الهيئة الوطنية لمكافحة المتاجرة بالأشخاص والمتاجرة غير الشرعية بالمهاجرين، وسيط الجمهورية، وغيرها من الوظائف الخاوية التي لا هدف لها غير إلهاء الجمهور. وتقع كل الوظائف المذكورة أعلاه بين يدي أناس معروفين بالتأقلم مع الوظائف الوهمية المشكلة، بالنسبة لهم، مصدر دخل حرام وفير وحصانة من القانون.
ومقابل الامتيازات غير المستحقة، يتكلف كل واحد من هؤلاء الموظفين بملء نصيبه من الزيف والتشويه والتملص. يتعلق الأمر بقواقع خاوية منوط بها أن تكون عنوانا للتواصل مع الدبلوماسيين وأعضاء الهيئات الدولية الذين تدفعهم سلامة صدورهم إلى الانخداع. مع ذلك، جاء تقرير المقرر الأممي، المنشور في جنيف خلال مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، خلال دورته الـ 54، بحضور وفد رسمي من موريتانيا، ليعمل، في خطوطه العريضة، على تجفيف منبع الكذب، أو على الأقل تجفيف لحظة الإغماء قبل بعث المزيفين. وإلى الفضيحة التي أسكتتها بعناية صحافةُ النظام، تنضاف حالة المحاكمات المختارة التي يظهر فيها المتهمون، الذين تمكن مقاضاتهم بتهمة “الجرائم ضد الإنسانية”، وهم أحرار أو في حالة محاكمة غيابية. وفي محصلة المحاكمة، تُعطَى التعليمات لكل قوى الشرطة والأمن بأن لا يوقفوا أبدا ولا حتى يبلغوا عن أي متهم. بيد أنه يتم، على نطاق واسع، نشر الأحكام التي تهدف إلى إبهار المجتمع الدولي. عندما تصل العقوبة إلى 10 سنوات من السجن، يخرج المدان من السجن بعد شهرين أو ثلاثة أشهر، وذلك بعد أن تفرغ الحكومة من الاستغلال الدعائي للعقوبة. يتم ذلك، في وقت يجهله فيه الأجنبي، ولا يبالي به الرأي العام الوطني، ومن ثم يُختتم المشهد.
مشروع قانون الكرامة، حلقة أخرى من التستر
في يوم 6 أكتوبر 2023، انتقدت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة، خلال مؤتمر صحفي أقيم في نواكشوط، “إنكار” العنف الممارس على النوع في موريتانيا. وهو ما وصفته السيدة مسكريم جزيت تيشان، نائبة رئيس مجموعة العمل الأممية حول التمييز تجاه المرأة والفتاة، بـ”المشكلة الأخطر”. وبشجاعة، ورغم الشتم والتهديد من قبل أشباه الصحافة المقربة من النظام و ذوي النزعة الداعشية، وجدت المسؤولة الأممية الكلمات المناسبة، دون مبالغة أو تهاون. فانبرى برلمانيون و”علماء”، غالبا قريبون من السلطة، لشجب النص الذي اعتبروه مناقضا للشريعة الإسلامية وللدستور. وبموافقة الجناح المحافظ في الحكومة وأعوان الدولة العميقة، اجتاحت المظاهرات كل التراب الوطني بهدف مضايقة روابط حقوق الانسان وخنق صوت التحرر.
إننا نشجب، هنا، الاحتمال الوارد جدا لمؤامرة تهدف إلى القول للشركاء الأمميين والعالم الحر: “اعفونا من هذا القانون المزعج، وإلا فإننا، باعتماده، سنعرّض أنفسنا لصواعق داعش والقاعدة!”.
فيما جاء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ليُطَمْئن القطب التقليدي، خلال الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء، مؤكدا أن “أي قانون مخالف للشريعة الإسلامية لن يصدر”. إنه يتحدث عن نفس الشريعة الموريتانية التي تقونن كتبُها الرقَّ وقصورَ المرأة وتشييئها.
وتبقى صدقية النظام في حاجة إلى ما يؤكدها في مجال حقوق الانسان والحكامة الرشيدة. إنه ما يزال يسبح في المياه المضطربة للازدواجية والبحث عن التمويل، بعيدا من قبول دفع أي مقابل من حيث المنجز على أرض الواقع. وإن على أصدقاء وحلفاء موريتانيا الاستراتيجيين أن يعوا الدرس المر: في هذه البلاد، باتت الجدية معوزة، فوراء ما يتم عرضه تحت زخرف الجدية، تخطو أكذوبة مُحَجّبة…
نواكشوط 16/10/2023
اللجنة الاعلامية